ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي و”الذكاء الاصطناعي الآمن”؟
في الفترة الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من أحاديث الناس اليومية، سواء كنا نتحدث عن برامج توليد الصور أو النصوص أو عن أدوات متقدمة تُستخدم في الصناعة والطب والأمن والتعليم. البعض يعتبره ثورة، والبعض الآخر يراه خطرًا قادمًا، لكن السؤال الذي لا يُطرح كثيرًا هو: هل هناك فرق بين الذكاء الاصطناعي بوصفه تقنية، وبين ما يُسمى بالذكاء الاصطناعي الآمن؟ وهل يكفي أن يكون الذكاء قويًا ومبهرًا حتى نثق به ونعتمد عليه في حياتنا وقراراتنا اليومية؟
الذكاء الاصطناعي، كما هو في جوهره، ليس أكثر من أدوات رقمية تتعلم من البيانات وتُقلد طريقة تفكير الإنسان أو قراراته، أو تتفوق عليها أحيانًا. هذه الأدوات قد تكون في شكل خوارزمية تقترح عليك ماذا تشاهد، أو نظام يتنبأ إن كان مريض معين سيتعرض لمضاعفات صحية، أو حتى نموذج لغوي يمكنه كتابة مقال أو تحليل محتوى. لكن كل هذا الذكاء لا يعني بالضرورة أنه “آمن”. فالذكاء في حد ذاته ليس أخلاقيًا ولا غير أخلاقي. هو مجرد وسيلة، والسؤال الحقيقي هو: من صممه؟ ومن وضع له القواعد؟ ومن راقبه؟ وكيف تفاعل مع البشر في الواقع؟
عندما نقول “الذكاء الاصطناعي الآمن”، نحن لا نقصد ذكاءً أضعف أو محدود القدرات. بل نقصد أن تكون هذه الأنظمة مصممة بطريقة تُراعي الأثر النفسي والاجتماعي والقانوني على المستخدم. أن تتضمن بداخلها مبادئ واضحة للشفافية، للحماية، للعدالة، للخصوصية. أن لا تنحاز لفئة دون أخرى. أن لا تستخدم الأطفال أو الفئات الضعيفة كسوق تجريبي. أن لا تكون أداة للرقابة أو الإقصاء أو التحكم، حتى وإن كانت تبدو ذكية ومثيرة للدهشة.
الفارق الجوهري بين الذكاء الاصطناعي وذكاء اصطناعي آمن هو في النية، وفي الضوابط، وفي طبيعة الأسئلة التي طُرحت عند التصميم. هل سأل المطور: هل هذه الأداة يمكن أن تؤذي؟ هل يمكن أن تستغل نقطة ضعف إنساني؟ هل يمكن أن تُنتج نتائج عنصرية أو مُضللة؟ هل من السهل على الناس فهم كيف تعمل؟ أم هي صندوق أسود لا أحد يعرف كيف يقرر؟
للأسف، ما يحدث اليوم في الكثير من الشركات وحتى الدول، هو سباق على من يطلق “الأداة الأذكى”، من يسبق السوق، من يُبهر المستثمرين، من يُصدر منتجًا يبدو أنه يعمل بفعالية خارقة. لكن نادرًا ما نسمع عن من يضع وقتًا وجهدًا حقيقيًا في التأكد من أن هذه الأداة تحترم الإنسان ولا تؤذيه نفسيًا أو اجتماعيًا. وهذا تحديدًا هو الخطر الذي يجعل الذكاء الاصطناعي يبدو أحيانًا وكأنه فوضى أنيقة: مذهلة من الخارج، لكنها مُعقدة وخطيرة من الداخل.
لا نحتاج اليوم إلى أدوات جديدة فحسب، بل إلى رؤية جديدة لما يعنيه الذكاء، ولما يجب أن تعنيه الأمانة. الذكاء الاصطناعي الآمن ليس رفاهية ولا خيارًا جانبيًا، بل هو ما يجب أن يُبنى عليه أي تقدم حقيقي. ليس فقط لنضمن أن هذه الأدوات لا تضر، بل لأنها إن أُستخدمت بأمان يمكن أن تكون من أهم وسائل الخير والتقدم التي عرفها البشر. ذكاء يُساعد الطبيب لا أن يُقصيه. يُساعد المعلم لا أن يحل محله. يُحرر الوقت للإنسان لا أن يستنزف أعصابه.
في النهاية، كل ما نطلبه بسيط جدًا. أن لا يُبنى الذكاء على حساب الإنسان. أن لا يكون التطور مرادفًا للتجاهل. وأن لا نندهش من عظمة الأدوات، وننسى أن الأسئلة الأخلاقية البسيطة هي ما تحمينا وتُرشدنا حين تنفجر القوة.