هل تحتاج الجزائر إلى قانون لحماية الذكاء الاصطناعي؟
في ظل تسارع التطور التكنولوجي واعتماد العالم المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، يتضح أن الجزائر، كبقية الدول، تواجه تحديًا كبيرًا في كيفية تنظيم هذا المجال الجديد. طرح السؤال: هل تحتاج الجزائر إلى قانون يحمي الذكاء الاصطناعي؟ هو سؤال ذو أبعاد قانونية، اقتصادية، اجتماعية وأخلاقية، وقد تابعته عن كثب بصفتي باحث مهتم بحوكمة التكنولوجيا والحوكمة الرقمية، ومن خلال ملاحظاتي وتجربتي أرى أن الإجابة تميل بقوة نحو ضرورة وجود إطار قانوني واضح.
الذكاء الاصطناعي في الجزائر ليس بعد في مرحلة الانتشار الواسع كما في بعض الدول المتقدمة، لكنه يشهد تطورًا تدريجيًا، سواء في القطاعين الخاص والعام. من القطاعات الصحية إلى البنوك، بدأت أنظمة ذكية تنفذ مهاماً متنوعة، لكن هذا لا يعني أن الجزائر معفية من المخاطر التي قد تنجم عن هذا التوسع. فالغياب القانوني يترك المجال مفتوحًا لضياع الحقوق، سوء استخدام البيانات، وتحكما غير مشروع قد يؤثر على المواطنين وعلى ثقة المجتمع في التقنية الحديثة.
إن القانون الذي يحمي الذكاء الاصطناعي في الجزائر سيكون حجر الزاوية في بناء بيئة رقمية آمنة وموثوقة. من دون إطار قانوني، يصبح صعبًا فرض الشفافية أو مساءلة مقدمي هذه التقنيات، خصوصًا في ظل غياب معايير واضحة تفرض على الشركات كشف كيفية عمل خوارزمياتهم، تأثيرها، ومدى تحيّزها المحتمل — الأمر الذي قد يفاقم فجوات التمييز الاجتماعي والاقتصادي.
من جانب آخر، وجود قانون لحماية الذكاء الاصطناعي يمنح دافعًا للاستثمار المحلي والأجنبي في تطوير تقنيات متقدمة ضمن بيئة قانونية منظمة. حيث لا يقتصر الأمر على حماية المستخدمين فقط، بل يشمل تشجيع البحث والابتكار، وهي عناصر ضرورية للنمو الاقتصادي الرقمي الذي تسعى الجزائر إلى تعزيزه ضمن استراتيجياتها للتنمية.
بصفة شخصية، أعتقد أن القانون يجب أن يكون متوازنًا: يحمي الحقوق ولا يعيق التطوّر التكنولوجي، يعزز المساءلة والشفافية، لكنه مرن يمكن تحديثه باستمرار لمواكبة سرعة الابتكار في الذكاء الاصطناعي. وهذا يتطلب تنسيقًا بين الجهات التشريعية، الأكاديمية، والقطاع الخاص، لتشكيل رؤية وطنية واضحة تُترجم إلى تشريع يعكس خصوصيات الجزائر وطموحاتها المستقبلية.
أرى أن تجربة الاتحاد الأوروبي مع AI Act يمكن أن تكون موجهًا مهمًا للجزائر، خاصة في تصنيف المخاطر وتحديد المسؤوليات، مع اعتماد مبادئ تحكم عادلة تراعي السياق الاجتماعي والثقافي الجزائري. لكن أي قانون يجب أن يحترم كذلك الخصوصية، الحرية، وينسجم مع مبادئ حقوق الإنسان التي تعد أساسًا لا غنى عنه في أي حوكمة رقمية فعالة.
في الختام، لا يمكنني أن أغفل أهمية التوعية المجتمعية في هذا السياق. فالقوانين وحدها لا تكفي إذا لم يكن هناك فهم ووعي لدى الجميع بماهية الذكاء الاصطناعي، مخاطره، وفوائده. لذلك يجب أن تكون حماية الذكاء الاصطناعي مشروعًا شاملاً يجمع بين التشريع والتثقيف، ويضمن أن يكون التطور التكنولوجي في خدمة الإنسان والمجتمع.
هذا الإطار القانوني ليس فقط ضرورة تقنية أو قانونية، بل هو خطوة نحو تأكيد سيادة الجزائر الرقمية، وتعزيز مكانتها في خريطة الابتكار العالمية بطريقة مستدامة ومسؤولة.
