|

من يتحكم بالذكاء الاصطناعي؟ الشركات أم القانون؟

من يتحكم بالذكاء الاصطناعي؟ الشركات أم القانون؟

في خضم سباق الذكاء الاصطناعي المحموم، كثيرًا ما يُطرح سؤال يبدو بسيطًا لكنه في الحقيقة يحمل بين طياته واحدة من أخطر معضلات العصر: من الذي يملك زمام هذا الكيان الجديد؟ هل هو القانون؟ أم الشركات التي تطوّره، تموّله، وتوجهه كما تشاء؟

من السهل نظريًا أن نقول: “الحكومات هي من تُشرّع، والقوانين هي من تنظم”. لكن من يعرف واقع التقنية يدرك أن الأمور ليست بهذه البساطة. فالتقنية دائمًا تصل أولًا، بينما القانون يلهث خلفها. والذين يعرفون هذا جيدًا هم أصحاب الشركات الكبرى. إنهم يدركون أن الفجوة الزمنية بين الابتكار والتنظيم هي فرصتهم الذهبية، لذلك لا ينتظرون أحدًا. يصنعون، يطلقون، يثيرون الجدل، ثم في أفضل الأحوال يعتذرون لاحقًا أو لا يفعلون أبدًا.

الذكاء الاصطناعي اليوم ليس فكرة مستقبلية. إنه يعيش بيننا، يوصي لنا بما نشاهد، يحدد ما نشتري، يراجع السير الذاتية في التوظيف، يقود سياراتنا، ويتحكم حتى في خوارزميات اتخاذ القرار داخل أنظمة حكومية حساسة. وكلما زاد هذا التغلغل، أصبح من الصعب التمييز بين من يقرر حقًا: الإنسان أم الخوارزمية؟

الشركات تقول إنها تُطوّر أدوات “لراحة الإنسان”، “لتعزيز الإنتاجية”، “لتسريع النمو”. لكن هل هذه مجرد شعارات؟ أم أن الحقيقة تكمن في مكان أبعد قليلًا في بياناتنا، وسلوكياتنا، وعاداتنا التي تُجمّع وتُحلّل وتُباع؟ فمن يملك نموذج ذكاء اصطناعي قوي، لا يملك فقط منتجًا، بل يملك سلطة التأثير، وأحيانًا التحكم في السلوك الجمعي.

لكن لحظة… أين القانون من كل هذا؟

في أوروبا، بدأنا نرى محاولات جادة للتنظيم. قانون مثل GDPR كان نقطة تحوّل. ثم جاء قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي (AI Act) ليحاول رسم حدود أكثر وضوحًا:

  • أنظمة عالية المخاطر؟ يجب مراجعتها قبل الإطلاق
  • نماذج تُستخدم مع الأطفال؟ لا يمكن تمريرها بسهولة
  • خوارزميات تُستخدم في التوظيف أو التعليم؟ يجب أن تكون خاضعة للشفافية والرقابة

كل هذا يبدو واعدًا، لكنه بطيء جدًا مقارنة بسرعة إطلاق النماذج الجديدة من شركات مثل OpenAI أو Meta أو Anthropic. النموذج يُطلق اليوم، ويصل لملايين المستخدمين قبل أن يقرأ المشرّع حتى الوثيقة التقنية المرافقة له.

والمشكلة الأكبر؟ كثير من الدول لا تملك أصلًا الإمكانيات لفهم ما يحدث، ناهيك عن تنظيمه أو محاسبته.

أين المستخدم من كل هذا؟

بين الطرفين القانون البطيء، والشركات السريعة هناك من يُنسى غالبًا: المستخدم

الفرد العادي لا يملك أدوات تقييم المخاطر، ولا يملك فريقًا قانونيًا لفهم الشروط التي يوافق عليها، ولا يملك خيارًا حقيقيًا حين تصبح معظم المنصات تعمل بالذكاء الاصطناعي. هو فقط يتكيّف. وحين يكتشف الخطر مثل تحيّز خوارزمي، أو انتهاك خصوصيته، أو تلاعب نفسي خفي يكون الوقت قد فات.

إذن، من يملك زمام الأمر؟

لهذا ربما يجب أن نعيد صياغة السؤال من جديد:
هل نريد حقًا أن يتحكم أحد بالذكاء الاصطناعي؟ أم نحتاج إلى مشاركة واسعة في رسم قواعد اللعبة؟

الشركات لا يجب أن تُترك بمفردها. والقانون وحده لا يكفي.
المعادلة العادلة هي: شركات مسؤولة + قوانين ذكية + وعي مجتمعي حقيقي.

وهنا فقط، يمكن أن نقول إننا نتحكم في الذكاء الاصطناعي لا العكس.



مشاركة

موضوعات ذات صلة